الحديث رقم 67
" قوموا إلى سيدكم فأنزلوه , فقال عمر : سيدنا الله عز وجل , قال : أنزلوه , فأنزلوه " .
قال الألباني في السلسلة الصحيحة 1 / 103 :
أخرجه الإمام أحمد ( 6 / 141 - 142 ) عن محمد بن عمرو عن أبيه عن علقمة
ابن وقاص , قال : أخبرتني "عائشة "قالت : " خرجت يوم الخندق أقفو آثار
الناس , قالت : فسمعت وئيد الأرض ورائي , يعني حس الأرض , قالت : فالتفت ,
فإذا أنا بسعد بن معاذ ومعه ابن أخيه الحارث بن أوس يحمل
مجنه , قالت : فجلست إلى الأرض , فمر سعد وعليه درع من حديد قد خرجت منها
أطرافه , فأنا أتخوف على أطراف سعد , قالت : فمر وهو يرتجز ويقول : ليت
قليلا يدرك الهيجا جمل ما أحسن الموت إذا حان الأجل قالت : فقمت فاقتحمت
حديقة , فإذا فيها نفر من المسلمين , وإذا فيهم عمر ابن الخطاب
, وفيهم رجل عليه سبغة له , يعني : مغفرا , فقال عمر : ما جاء بك ? لعمري
والله إنك لجريئة ! وما يؤمنك أن يكون بلاء أو يكون تحوز ? قالت : فمازال
يلومني حتى تمنيت أن الأرض انشقت لي ساعتئذ فدخلت فيها ! قالت : فرفع
الرجل السبغة عن وجهه فإذا طلحة بن عبيد الله , فقال : يا عمر إنك قد
أكثرت منذ اليوم , وأين التحوز أو الفرار إلا إلى الله عز وجل ? قالت :
ويرمي سعدا رجل من المشركين من قريش يقال له : ابن العرقة بسهم له , فقال
له : خذها وأنا ابن العرقة , فأصاب أكحله فقطعه , فدعا الله عز وجل سعد
فقال : اللهم لا تمتني حتى تقر عيني من قريظة , قالت : وكانوا حلفاء
مواليه في الجاهلية , قالت : فرقى كلمه , ( أي جرحه ) وبعث الله عز وجل
الريح على المشركين , فكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا ,
فلحق أبو سفيان ومن معه بتهامة , ولحق عيينة بن بدر ومن معه بنجد , ورجعت
بنو قريظة فتحصنوا في صياصيهم , ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة , فوضع السلاح وأمر بقبة من أدم فضربت على سعد في المسجد , قالت : فجاء جبريل عليه السلام وإن على ثناياه لنقع الغبار فقال : أو قد وضعت السلاح ? والله ما وضعت الملائكة بعد السلاح
, اخرج إلى بني قريظة فقاتلهم . قالت : فلبس رسول الله صلى الله عليه وسلم
لأمته وأذن في الناس بالرحيل أن يخرجوا . فخرج رسول الله صلى الله عليه
وسلم فمر على بني غنم , وهم جيران المسجد حوله , فقال : من مر بكم ? قالوا : مر بنا دحية الكلبي , وكان دحية الكلبي تشبه لحيته وسنه ووجهه جبريل عليه السلام , فقالت : فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فحاصرهم خمسا وعشرين ليلة , فلما
اشتد حصرهم , واشتد البلاء قيل لهم : انزلوا على حكم رسول الله صلى الله
عليه وسلم , فاستشاروا أبا لبابة بن عبد المنذر فأشار إليهم أنه الذبح ,
قالوا : ننزل على حكم سعد بن معاذ , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
انزلوا على حكم سعد بن معاذ , فنزلوا , وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم
إلى سعد بن معاذ , فأتي به على حمار عليه أكاف من ليف , وقد حمل عليه , وحف به قومه فقالوا : يا أبا عمرو حلفاؤك ومواليك وأهل النكاية ومن قد علمت , فلم
يرجع إليهم شيئا ولا يلتفت إليهم , حتى إذا دنا من دورهم التفت إلى قومه
فقال : قد آن أن لا أبالي في الله لومة لائم , قال : قال أبو سعيد : فلما طلع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : قوموا إلى سيدكم ... الحديث
, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : احكم فيهم , قال سعد : فإني أحكم أن
تقتل مقاتلهم , وتسبى ذراريهم , وتقسم أموالهم . فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم : لقد حكمت بحكم الله عز وجل وحكم رسوله , قالت : ثم دعا سعد ,
قال : اللهم إن كنت أبقيت على نبيك صلى الله عليه وسلم من حرب قريش شيئا
فأبقني لها , وإن كنت قطعت الحرب بينه وبينهم فاقبضني إليك , قالت :
فانفجر كلمه , وكان قد برئ حتى ما يرى منه إلا مثل الخرص ورجع إلى قبته
التي ضرب عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم , قالت عائشة : فحضره رسول
الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر , قالت : فوالذي نفس محمد بيده إني
لأعرف بكاء عمر من بكاء أبي بكر وأنا في حجرتى , وكانوا كما قال الله عز
وجل : ( رحماء
بينهم ) قال علقمة : قلت : أي أمه فكيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يصنع ? قالت : كانت عينه لا تدمع على أحد و لكنه كان إذا وجد فإنما هو آخذ
بلحيته " .
قلت : وهذا إسناد حسن . وقال الهيثمي في " مجمع الزوائد " ( 6 / 128 ) : " رواه أحمد وفيه محمد بن عمرو بن علقمة وهو حسن الحديث , وبقية رجاله ثقات " .
وقال الحافظ في " الفتح " ( 11 / 43 ) : " وسنده حسن " .
قلت : وأخرجه البخاري ( 4 / 175 ) , وأبو داود ( 5215 ) , وأحمد ( 2 / 22 , 71 ) , وأبو يعلى في " مسنده " ( ق 77 / 2 ) , من حديث
أبي سعيد الخدري : " أن أهل قريظة نزلوا على حكم سعد , فأرسل النبي صلى
الله عليه وسلم إليه , فجاء , فقال : قوموا إلى سيدكم , أو قال : خيركم ,
فقعد عند النبي صلى الله عليه وسلم , فقال : هؤلاء نزلوا على حكمك , قال :
فإني أحكم أن تقتل مقاتلهم , وتسبى ذراريهم , فقال : لقد حكمت بما حكم به الملك " .
فائدتان
1ـ اشتهر رواية هذا الحديث بلفظ : " لسيدكم " , والرواية في الحديثين كما رأيت : " إلى سيدكم " , ولا أعلم للفظ الأول أصلا , وقد نتج منه خطأ فقهي وهو الاستدلال به على استحباب
القيام للقادم كما فعل ابن بطال وغيره , قال الحافظ محمد بن ناصر أبو
الفضل في " التنبيه على الألفاظ التي وقع في نقلها وضبطها تصحيف وخطأ في
تفسيرها ومعانيها و تحريف في كتاب
الغريبين عن أبي عبيد الهروي " ( ق 17 / 2 ) : ومن ذلك ما ذكره في هذا
الباب من ذكر السيد , وقال كقوله لسعد حين قال : " قوموا لسيدكم " . أراد
أفضلكم رجلا .
قلت : والمعروف أنه قال : " قوموا إلى سيدكم " . قاله صلى الله عليه وسلم لجماعة من الأنصار لما جاء سعد بن معاذ محمولا على حمار وهو جريح ... أي أنزلوه وحملوه , لا قوموا له , من القيام له فإنه أراد بالسيد : الرئيس والمتقدم عليهم , وإن كان غيره أفضل منه " .
2 - اشتهر الاستدلال بهذا الحديث على مشروعية
القيام للداخل , وأنت إذا تأملت في سياق القصة يتبين لك أنه استدلال ساقط
من وجوه كثيرة أقواها قوله صلى الله عليه وسلم " فأنزلوه " فهو نص قاطع
على أن الأمر بالقيام إلى سعد إنما كان لإنزاله من أجل كونه مريضا , ولذلك قال الحافظ : " وهذه الزيادة تخدش في الاستدلال بقصة سعد على مشروعية القيام المتنازع فيه . وقد احتج به النووي في ( كتاب القيام ) ... " .